کد مطلب:142625 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:276

رجع الحدیث الی حدیث عمار الدهنی عن أبی جعفر
قال فبینا هو كذلك اذ خرج الخیر الی مذحح فاذا علی باب القصر جلبة [1] سمعها عبیدالله فقال ما هذا فقالوا مذحج فقال لشریح اخرج الیهم فأعلمهم أنی انما حبسته لأسائله و بعث عینا علیه [2] من موالیه یسمع ما یقول فمر بهانی ء بن عروة فقال له هانی ء اتق الله یا شریح فانه قاتلی فخرج شریح حتی قام علی باب القصر لا بأس علیه انما حبسه الأمیر لیسائله فقال صدق لیس علی صاحبكم بأس فتفرقوا فأتی مسلما الخبر فنادی بشعاره فاجتمع الیه أربعة آلاف من أهل الكوفة فقدم مقدمته وعبی میمنته و میسرته و سار فی القلب الی عبیدالله و بعث عبیدالله الی وجوه [3] أهل الكوفة فجمعهم عنده فی القصر فلما سار الیه مسلم انتهی الی باب القصر أشرفوا علی عشائرهم فجعلوا یكلمونهم و یردونهم فجعل أصحاب مسلم یتسللون حتی أمسی فی خمسمائة فلما اختلط الظلام ذهب


أولئك أیضا فلما رأی مسلم أنه قد بقی وحده یتردد فی الطرق حتی أتی بابا فنزل علیه فخرجت الیه امرأة فقال لها اسقینی فسقته ثم دخلت فمكثت ما شاء الله ثم خرجت فاذا هو علی الباب قالت یا عبدالله ان مجلسك مجلس [4] ریبة فقم قال انی أنا مسلم بن عقیل فهل عندك مأوی قالت نعم ادخل و كان ابنها مولی لمحمد بن الأشعث فلما علم به الغلام انطلق الی محمد فأخبره فانطلق محمد الی عبیدالله فأخبره فبعث عبیدالله عمرو بن حریث المخزومی و كان صاحب شرطه الیه و معه عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فلم یعلم مسلم حتی أحیط [5] بالدار فلما رأی ذلك مسلم خرج الیهم بسیفه فقاتلهم فأعطاه عبدالرحمن الأمان فأمكن من یده فجاء به الی عبیدالله فأمر به فأصعد الی أعلی القصر فضربت عنقه و ألقی جثته الی الناس و أمر بهانی ء فسحب الی الكناسة فصلب هنالك و قال شاعرهم فی ذلك:



فان كنت لا تدرین ما الموت فانظری

الی هانی ء فی السوق و ابن عقیل



أصابهما أمر الامام فأصبحا

أحادیث من یسعی بكل سبیل



أیركب أسماء الهمالیج [6] آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



و أما أبومخنف فانه ذكر من قصة مسلم بن عقیل و شخوصه الی الكوفة و مقتله قصة هی أشبع و أتم من خبر عمار الدهنی عن أبی جعفر الذی ذكرناه ما حدثت عن هشام بن محمد عنه قال حدثنی عبدالرحمن بن جندب قال حدثنی عقبة بن سمعان مولی الرباب ابنة امری ء القیس الكلبیة امرأة حسین و كانت مع سكینة ابنة حسین و هو مولی لأبیها و هی اذ ذاك صغیرة قال خرجنا فلزمنا الطریق الأعظم فقال للحسین أهل بیته لو تنكبت [7] الطریق الأعظم كما فعل ابن الزبیر لا یلحقك الطلب قال لا والله لا أفارقه حتی یقضی الله ما هو أحب الیه.


قال فاستقبلنا عبدالله بن مطیع [8] فقال للحسین جعلت فداك أین ترید قال أما الآن فانی أرید مكة و أما بعدها فانی أستخیر الله قال خار الله لك و جعلنا فداك فاذا أنت أتیت مكة فایاك أن تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤمة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتیل بطعنة كادت تأتی علی نفسه الزم الحرم فانك سید العرب لا یعدل بك والله أهل الحجاز أحدا و یتداعی الیك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فذاك عمی و خالی فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك فأقبل حتی نزل مكة فأقبل أهلها یختلفون [9] الیه و یأتونه و من كان بها من المعتمرین و أهل الآفاق و ابن الزبیر بها قد لزم الكعبة فهو قائم یصلی عندها عامة النهار و یطوف و یأتی حسینا فیمن یأتیه فیأتیه الیومین المتوالیین و یأتیه كل یومین مرة و لا یزال یشیر علیه بالرأی و هو أثقل خلق الله علی ابن الزبیر قد عرف أن أهل الحجاز لا یبایعونه و لا یتابعونه أبدا مادام حسین بالبلد و أن حسینا أعظم فی أعینهم و أنفسهم منه و أطوع فی الناس منه فلما بلغ أهل الكوفة هلاك معاویة أرجف [10] أهل العراق بیزید و قالوا قد امتنع حسین و ابن الزبیر و لحقا بمكة فكتب أهل الكوفة الی حسین و علیهم النعمان ابن بشیر - قال أبومخنف فحدثنی الحجاج بن علی عن محمد بن بشر الهمدانی قال اجتمعت الشیعة فی منزل سلیمان بن صرد [11] فذكرنا هلاك معاویة فحمدنا الله علیه فقال لنا سلیمان بن صرد ان معاویة قد هلك و ان حسینا قد تقبض علی القوم ببیعته و قد خرج الی مكة و أنتم شیعته و شیعة أبیه فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا الیه و ان خفتم الوهل [12] و الفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه قال فاكتبوا الیه فكتبوا الیه.


(بسم الله الرحمن الرحیم) لحسین بن علی من سلیمان بن صرد و المسیب بن نجبة و رفاعة ابن شداد و حبیب بن مظاهر و شیعته من المؤمنین و المسلمین من أهل الكوفة سلام علیك فانا نحمد الیك الله الذی لا اله الا هو أما بعد فالحمدلله الذی قصم عدوك الجبار العنید الذی انتزی [13] علی هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فیأها [14] و تأمر علیها بغیر رضی منها ثم قتل خیارها و استبقی شرارها و جعل مال الله دولة [15] بین جبابرتها و أغنیائها فبعدا له كما بعدت ثمود لیس علینا امام فأقبل لعل الله أن یجمعنا بك علی الحق و النعمان بن بشیر فی قصر الامارة لسنا نجتمع معه فی جمعة و لا نخرج معه الی عدو لوقد بلغنا أنك قد أقبلت الینا أخرجناه حتی نلحقه بالشأم ان شاء الله و السلام و رحمة الله علیك قال ثم سرحنا بالكتاب مع عبدالله بن سبع الهمدانی و عبدالله بن وال و أمرناهما بالنجاء [16] فخرج الرجلان مسرعین حتی قدما علی حسین لعشر مضین من شهر رمضان بمكة ثم لبثنا یومین ثم سرحنا الیه قیس بن مسهر الصیداوی و عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرجی و عمارة بن عبید السلولی فحملوا معهم نحوا من ثلاثة و خمسین صحیفة من الرجل و الاثنین و الأربعة قال ثم لبثنا یومین آخرین ثم سرحنا الیه هانی ء السبیعی و سعید بن عبدالله الحنفی و كتبنا معهما (بسم الله الرحمن الرحیم) لحسین بن علی من شیعته من المؤمنین و المسلمین أما بعد فحیهلا [17] فان الناس ینتظرونك و لا رأی لهم فی غیرك فالعجل العجل و السلام علیك و كتب شبث بن ربعی و حجار بن أبجر و یزید بن الحارث و یزید بن رویم و عزرة بن قیس و عمرو بن الحجاج الزبیدی و محمد بن عمیر التمیمی أما بعد فقد اخضر الجناب و أینعت الثمار و طمت [18] الجمام فاذا


شئت فأقدم علی جند لك محند [19] و السلام علیك و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن أمر الناس ثم كتب مع هانی ء بن هانی ء السبیعی و سعید بن عبدالله الحنفی.

و كان آخر الرسل (بسم الله الرحمن الرحیم) من حسین بن علی الی الملا من المؤمنین و المسلمین أما بعد فان هانئا و سعیدا قدما علی بكتبكم و كانا آخر من قدم علی من رسلكم و قد فهمت كل الذی اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم انه لیس علینا امام فأقبل لعل الله أن یجمعنا بك علی الهدی و الحق و قد بعثت الیكم أخی و ابن عمی و ثقتی من أهل بیتی و أمرته أن یكتب لی بحالكم و أمركم و رأیكم فان یكتب الی أنه قد أجمع رأی ملئكم و ذوی الفضل و الحجی [20] منكم علی مثل ما قدمت علی به رسلكم و قرأت فی كتبكم أقدم علیكم وشیكا ان شاء الله فلعمری ما الامام الا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه علی ذات الله و السلام قال أبومخنف و ذكر أبوالمخارق الراسی قال اجتمع ناس من الشیعة بالبصرة فی منزل امرأة من عبدالقیس یقال لها ماریة ابنة سعد أو منقذ أیاما و كانت تشیع و كان منزلها لهم مألفا یتحدثون فیه و قد بلغ ابن زیاد اقبال الحسین فكتب الی عامله بالبصرة ان یضع المناظر و یأخذ بالطریق قال فأجمع یزید بن نبیط الخروج و هو من عبدالقیس الی الحسین و كان له بنون عشرة فقال أیكم یخرج معی فانتدب معه ابنان له عبدالله و عبیدالله فقال لأصحابه فی بیت تلك المرأة انی قد أزمعت علی الخروج و أنا خارج فقالوا له انا نخاف علیك أصحاب ابن زیاد فقال انی والله لو قد استوت أخفافهما بالجدد [21] لها علی طلب من طلبنی قال ثم خرج فقوی فی الطریق حتی انتهی الی حسین علیه السلام فدخل فی رحله بالابطح و بلغ الحسین مجیئه فجعل یطلبه و جاء الرجل الی رحل الحسین فقیل له قد خرج الی منزلك فأقبل فی أثره و لما لم یجده الحسین جلس فی رحله ینتظره و جاء البصری فوجده فی رحله جالسا


فقال بفضل الله و برحمته فبذلك فلیفرحوا قال فسلم علیه و جلس الیه فأخبره بالذی جاء له فدعا له بخیر ثم أقبل معه حتی أتی فقاتل معه فقتل معه هو و ابناه ثم دعا مسلم بن عقیل فسرحه مع قیس بن مسهر الصیداوی و عمارة بن عبید السلولی و عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرحبی فأمره بتقوی الله و كتمان أمره و اللطف فان رأی الناس مجتمعین مستوثقین عجل الیه بذلك فأقبل مسلم حتی أتی المدینة فصلی فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و سلم و ودع من أحب من أهله ثم استأجر دلیلین من قیس فأقبلا به فضلا الطریق و جارا و أصابهم عطش شدید و قال الدلیلان هذا الطریق حتی ینتهی الی الماء و قد كادوا أن یموتوا عطشا فكتب مسلم بن عقیل مع قیس بن مسهر الصیداوی الی حسین و ذلك بالمضیق من بطن الخبیت أما بعد فانی أقبلت من المدینة معی دلیلان لی فجارا عن الطریق و ضلا و اشتد علینا العطش فلم یلبثا أن ماتا و أقبلنا حتی انتهینا الی الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا [22] و ذلك الماء بمكان یدعی المضیق من بطن الخبیت و قد تطیرت من وجهی هذا فان رأیت أعفیتنی منه و بعثت غیری و السلام فكتب الیه حسین أما بعد فقد خشیت ألا یكون حملك علی الكتاب الی فی الاستعفاء من الوجه الذی و جهتك له الا الجبن فامض لوجهك الذی و جهتك له و السلام علیك فقال مسلم لمن قرأ الكتاب هذا ما لست أتخوفه علی نفسی فأقبل كما هو حتی مر بماء لطی ء فنزل بهم ثم ارتحل منه فاذا رجل یرمی الصید فنظر الیه قد رمی ظبیا حین أشرف له فصرعه.

فقال مسلم یقتل عدونا ان شاء الله ثم أقبل مسلم حتی دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبی عبید و هی التی تدعی الیوم دار مسلم بن المسیب و أقبلت الشیعة تختلف الیه فلما اجتمعت الیه جماعة منهم قرأ علیهم كتاب حسین فأخذوا یبكون فقام عابس بن أبی شبیب الشاكری فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد فانی لا أخبرك عن الناس و لا أعلم ما فی أنفسهم و ما أغرك منهم والله أحدثك عما أنا موطن نفسی علیه والله لأجیبنكم اذا دعوتم و لأقاتلن معكم عدوكم


و لأضربن بسیفی دونكم حتی ألقی الله لا أرید بذلك الا ما عندالله فقام [23] فقام حبیب بن مظاهر الفقعسی فقال رحمك الله قد قضیت ما فی نفسك بواجز من قولك ثم قال و أنا والله الذی لا اله الا هو علی مثل ما هذا علیه ثم قال الحنفی مثل ذلك الحجاج بن علی فقلت لمحمد بن بشر فهل كان منك أنت قول فقال ان كنت لأحب أن یعز الله أصحابی بالظفر و ما كنت لأحب أن أقتل و كرهت أن أكذب و اختلفت الشیعة [24] الیه حتی علم مكانه فبلغ ذلك النعمان بن بشیر.

قال أبومخنف حدثنی نمر بن وعلة عن أبی الوداك قال خرج الینا النعمان بن بشیر فصعد المنبر فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا الی الفتنة و الفرقة فان فیهما یهلك الرجال و تسفك الدماء و تغصب الأموال و كان حلیما ناسكا یحب العافیة قال انی لم أقاتل من لم یقاتلنی و لا أثب علی من لا یثب علی و لا أشاتمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف [25] و لا الظنة و لا التهمة ولكنكم ان أبدیتم صفحتكم لی ونكثتم [26] بیعتكم و خالفتم امامكم فوالله الذی لا اله غیره لأضربنكم بسیفی ما ثبت قائمه فی یدی ولو لم یكن لی منكم ناصر أما انی أرجو أن یكون من یعرف الحق منكم أكثر ممن یردیه الباطل قال فقام الیه عبدالله بن مسلم بن سعید الحضرمی حلیف بنی أمیة فقال انه لا یصلح ما تری الی الغشم ان هذا الذی أنت علیه فیما بینك و بین عدوك رأی المستضعفین فقال أن أكون من المستضعفین فی طاعة الله أحب الی من أن أكون من الأعزین فی معصیة الله ثم نزل و خرج عبدالله بن مسلم و كتب الی یزید بن معاویة أما بعد فان مسلم بن عقیل قد قدم الكوفة فبایعته الشیعة للحسین بن علی فان كان لك بالكوفة حاجة فابعث الیها رجلا قویا ینفذ أمرك


و یعمل مثل عملك فی عدوك فان النعمان بن بشیر رجل ضعیف [27] أو هو یتضعف فكان أول من كتب الیه ثم كتب الیه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب الیه عمر بن سعد بن أبی وقاص بمثل ذلك قال هشام قال عوانة فلما اجتمعت الكتب عند یزید لیس بین كتبهم الا یومان دعا یزید بن معاویة سرجون مولی معاویة فقال ما رأیك فان حسینا قد توجه نحو الكوفة و مسلم بن عقیل بالكوفة یبایع للحسین و قد بلغنی عن النعمان ضعف و قول سی ء و أقرأه كتبهم فما تری من أستعمل علی الكوفة و كان یزید عاتبا علی عبیدالله بن زیاد فقال سرجون أرأیت معاویة لو نشر لك أكنت آخذا برأیه قال نعم فأخرج عهد عبیدالله علی الكوفة فقال هذا رأی معاویة و مات.

و قد أمر بهذا الكتاب فأخذ برأیه و ضم المصرین الی عبیدالله و بعث الیه بعهده علی الكوفة ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلی و كان عنده فبعثه الی عبیدالله بعهده الی البصرة و كتب الیه معه أما بعد فانه كتب الی شیعتی من أهل الكوفة یخبروننی أن ابن عقیل بالكوفة یجمع الجموع لشق عصا المسلمین فسر حین تقرأ كتابی هذا حتی تأتی اهل الكوفة فتطلب ابن عقیل كطلب الخرزة حتی تثقفه [28] فتوثقه أو تقتله أو تنفیه و السلام فأقبل مسلم ابن عمرو حتی قدم علی عبیدالله بالبصرة فأمر عبیدالله بالجهاز و التهی ء و المسیر الی الكوفة من الغد.

و قد كان حسین كتب الی أهل البصرة كتابا قال هشام قال أبومخنف حدثنی الصعقب بن زهیر عن أبی عثمان النهدی قال كتب حسین مع مولی لهم یقال له سلیمان و كتب بنسخة الی رؤوس الأخماس [29] بالبصرة و الی الأشراف فكتب الی مالك بن مسمع البكری و الی الاحنف بن قیس و الی المنذر بن الجارود و الی مسعود بن عمرو و الی قیس بن الهیثم و الی عمرو بن عبیدالله بن معمر


فجاءت منه نسخة واحدة الی جمیع أشرافها أما بعد فان الله اصطفی محمدا صلی الله علیه و سلم علی خلقه و أكرمه بنبوته [30] و اختاره لرسالته ثم قبضه الله الیه و قد نصح لعباده و بلغ ما أرسل به صلی الله علیه و سلم و كنا أهله و أولیاءه و أوصیاءه [31] و ورثته و أحق الناس بمقامه فی الناس فاستأثر علینا قومنا بذلك فرضینا و كرهنا الفرقة و أحببنا العافیة و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علینا ممن تولاه و قد أحسنوا و أصلحوا و تحروا الحق فرحمهم الله و غفرلنا و لهم و قد بعثت رسولی الیكم بهذا الكتاب و أنا أدعوكم الی كتاب الله و سنة نبیه صلی الله علیه و سلم فان السنة قد أمیتت و ان البدعة قد أحییت و أن تسمعوا قولی و تطیعوا أمری أهدكم سبیل الرشاد و السلام علیكم و رحمة الله.

فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غیر المنذر بن الجارود فانه خشی بزعمه أن یكون دسیسا من قبل عبیدالله فجاءه بالرسول من العشیة التی یرید صبیحتها أن یسبق الی الكوفة و أقرأه كتابه فقدم الرسول فضرب عنقه و صعد عبیدالله منبر البصرة فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد فوالله ما تقرن بی الصعبة و لا یقعقع لی بالشنان و انی لنكل لمن عادانی و سم لمن حاربنی أنصف القارة من راماه یا أهل البصرة ان أمیرالمؤمنین و لانی الكوفة و أنا غاد الیها الغداة و قد استخلفت علیكم عثمان بن زید بن أبی سفیان و ایاكم و الخلاف و الارجاف [32] فوالذی لا اله غیره لئن بلغنی عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عریفه و ولیه و لآخذن الأدنی بالأقصی حتی تستمعوا لی و لا یكون فیكم مخالف و لا مشاق أنا ابن زیاد أشبهته من بین من وطی ء الحصی و لم ینتزعنی شبه خال و لا ابن عم.

ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان بن زیاد و أقبل الی الكوفة و معه مسلم بن عمر و الباهلی و شریك بن الاعور الحارثی و حشمه و أهل بیته حتی


دخل الكوفة و علیه عمامة سوداء و هو متلثم و الناس قد بلغهم اقبال حسین الیهم ینتظرون قدومه فظنوا حین قدم عبیدالله أنه الحسین فأخذ لا یمر علی جماعة من الناس الا سلموا علیه و قالوا مرحبا بك یا ابن رسول الله قدمت خیر مقدم فرأی من تباشیرهم بالحسین علیه السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا تأخروا هذا الأمیر عبیدالله بن زیاد فأخذ حین أقبل علی الظهر و انما بضعة عشر رجلا فلما دخل القصر و علم الناس أنه عبیدالله بن زیاد دخلهم من ذلك كآبة و حزن شدید و غاظ عبیدالله ما سمع منهم و قال ألا أری هؤلاء كما أری.

قال هشام قال أبومخنف فحدثنی المعلی بن كلیب عن أبی وداك قال ما نزل القصر نودی الصلاة جامعة قال فاجتمع الناس فخرج الینا فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد فان أمیرالمؤمنین أصلحه الله و لانی مصركم و ثغركم و أمرنی بانصاف مظلومكم و اعطاء محرومكم و بالاحسان الی سامعكم و مطیعكم و بالشدة علی مریبكم و عاصیكم و أنا متبع فیكم أمره و منفذ فیكم عهده فأنا لمحسنكم و مطیعكم كالوالد البروسوطی و سیفی علی من ترك أمری و خالف عهدی فلیبق امرؤ علی نفسه الصدق ینبی عنك لا الوعید.

ثم نزل فأخذ العرفاء و الناس أخذا شدیدا فقال اكتبوا الی الغرباء و من فیكم من طلبة أمیرالمؤمنین و من فیكم من الحروریة و أهل الریب الذین رأیهم الخلاف و الشقاق فمن كتبهم لنا فبری ء و من لم یكتب لنا أحدا فیضمن لنا ما فی عرافته ألا یخالفنا منهم مخالف و لا یبغی علینا منهم باغ فمن لم یفعل برئت منه الذمة و حلال لنا ماله و سفك دمه و أیما عریف وجد فی عرافته من بغیة أمیرالمؤمنین أحد لم یرفعه الینا صلب علی باب داره.

و ألغیت تلك العرافة من العطاء و سیر الی موضع بعمان الزارة - و أما عیسی بن یزید الكنانی فانه قال فیما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم عن علی بن صالح عنه قال لما جاء كتاب یزید الی عبیدالله بن زیاد انتخب من أهل البصرة خمسمائة فیهم عبدالله بن الحارث بن نوفل و شریك بن الأعور و كان شیعة لعلی فكان أول من سقط بالناس شریك فیقال انه تساقط غمرة و معه ناس ثم سقط عبدالله بن الحارث و سقط معه ناس و رجوا أن یلوی علیهم عبیدالله


و یسبقه الحسین الی الكوفة فجعل لا یلتفت الی من سقط و یمضی حتی ورد القادسیة و سقط مهران مولاه فقال أیا مهران علی هذه الحال ان أمسكت عنك حتی تنظر الی القصر فلك مائة ألف قال لا و الله ما أستطیع فنزل عبیدالله فأخرج ثیابا مقطعة من مقطعات الیمن ثم اعتجر [33] بمعجرة یمانیة فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده فجعل یمر بالمحارس فكلما نظروا الیه لم یشكوا أنه الحسین فیقولون مرحبا یا ابن رسول الله و جعل لا یكلمهم و خرج الیه الناس من دورهم و بیوتهم و سمع بهم النعمان بن بشیر فغلق علیه و علی خاصته و انتهی الیه عبیدالله و هو لا یشك انه الحسین و معه الخلق یضجون فكلمه النعمان فقال أنشدك الله ألا تنحیت عنی ما أنا بمسلم الیك أمانتی و مالی فی قتلك من أرب [34] فجعل لا یكلمه ثم انه دنا و تدلی الآخر بین شرفتین فجعل یكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال لیلك فسمعها انسان خلفه فتكفی الی القوم فقال أی قوم ابن مرجانة و الذی لا اله غیره فقالوا ویحك انما هو الحسین ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب فی وجوه الناس فانفضوا.

و أصبح فجلس علی المنبر فقال أیها الناس انی لأعلم أنه قد سار معی و أظهر الطاعة لی من هو عدو للحسین حین ظن أن الحسین قد دخل البلد و غلب علیه و الله ما عرفت منكم أحدا ثم نزل و أخیر أن مسلم بن عقیل قدم قبله بلیلة و أنه بناحیة الكوفة فدعا مولی لبنی تمیم فأعطاه مالا و قال انتحل هذا الأمر و أعنهم بالمال و اقصد لهانی ء و مسلم و انزل علیه فجاء هانئا فأخبره أنه شیعة و أن معه مالا و قدم شریك بن الأعور شاكیا فقال لهانی ء مر مسلما یكون عندی فان عبیدالله یعودنی.

و قال شریك لمسلم أرأیتك ان أمكنتك من عبیدالله أضاربه أنت بالسیف قال نعم و الله و جاء عبیدالله شریكا یعوده فی منزل هانی ء و قد قال شریك لمسلم اذا سمعتنی أقول أسقونی ماء فاخرج علیه فاضربه و جلس عبیدالله علی فراش شریك و قام علی رأسه مهران فقال اسقونی ماء فخرجت جاریة بقدح فرأت


مسلما فزالت فقال شریك اسقونی ماء ثم قال الثالثة و سلكم تحمونی الماء أسقونیه ولو كانت فیه نفسی ففطن مهران فغمز عبیدالله فوثب فقال شریك أیها الأمیر انی أرید أن أوصی الیك قال أعود الیك.

فجعل مهران یطرد به و قال أراد و الله قتلك قال و كیف مع اكرامی شریكا و فی بیت هانی ء و ید أبی عنده فرجع فأرسل الی أسماء بن خارجة و محمد بن الأشعث فقال ائتیانی بهانی ء فقالا له انه لا یأتی الا بالأمان قال و ماله و للامان و هل أحدث حدثا انطلقا فان لم یأت الا بأمان فآمناه تأتیاه فدعواه فقال انه ان أخذنی قتلنی فلم یزالا به حتی جاءا به و عبیدالله یخطب یوم الجمعة فجلس فی المسجد و قد رجل هانی ء غدیر تیه فلما صلی عبیدالله قال یا هانی ء فتبعه و دخل فسلم فقال عبیدالله یا هانی ء أما تعلم أن أبی قدم هذا البلد فلم یترك أحدا من هذه الشیعة الا قتله غیر أبیك و غیر حجر و كان من حجر ما قد علمت ثم لم یزل یحسن صحتك ثم كتب الی أمیر الكوفة ان حاجتی قبلك هانی ء قال نعم فكان جزائی أن خبأت فی بیتك رجلا لیقتلنی قال ما فعلت فأخرج التمیمی الذی كان عینا علیهم فلما رآه هانی ء علم أن قد أخبره الخبر فقال أیها الأمیر قد كان الذی بلغك و لن أضیع یدك عنی فأنت آمن و أهلك فسر حیث شئت.

فكبا عبیدالله عندها و مهران قائم علی رأسه فی یده معكزة فقال و اذلاه هذا العبد الحائك یؤمنك فی سلطانك فقال خذه فطرح المعكزة و أخذ بضفیرتی هانی ء ثم أقنع بوجهه ثم أخذ عبیدالله المعكزة فضرب به وجه هانی ء و ندر الزج فارتز فی الجدار ثم ضرب وجهه حتی كسر أنفه و جبینه و سمع الناس الهیعة [35] و بلغ الخبر مذحج فأقبلوا فأطافوا بالدار و أمر عبیدالله بهانی ء فألقی فی بیت و صیح المذحجیون [36] و أمر عبیدالله مهران أن یدخل علیه شریحا فخرج فأدخله علیه و دخلت الشرط معه فقال یا شریح قد تری ما یصنع فی قال أراك حیا قال وحی أنا مع ما تری أخبر قومی أنهم ان انصرفوا قتلنی فخرج الی عبیدالله فقال


قد رأیته حیا و رأیت أثرا سیئا قال و تنكر أن یعاقب الوالی رعیته أخرج الی هؤلاء فأخبرهم فخرج و أمر عبیدالله الرجل فخرج معه فقال لهم شریح ما هذه الرعة السیئة الرجل حی و قد عاتبه سلطانه بضرب لم یبلغ نفسه فانصرفوا و لا تحلوا بأنفسكم و لا بصاحبكم فانصرفوا.

و ذكر هشام عن أبی مخنف عن المعلی بن كلیب عن أبی الوداك قال نزل شریك بن الأعور علی هانی ء ابن عروة المرادی و كان شریك شیعیا و قد شهد صفین مع عمار و سمع مسلم بن عقیل بمجی ء عبیدالله و مقالته التی قالها و ما أخذ به العرفاء و الناس فخرج من دار المختار و قد علم به حتی انتهی الی دار هانی ء بن عروة المرادی فدخل بابه و أرسل الیه أن اخرج فخرج الیه هانی ء فكره هانی ء مكانه حین رآه فقال له مسلم أتیتك لتجیرنی و تضیفنی فقال رحمك الله لقد كلفتنی شططا [37] و لولا دخولك داری و ثقتك لأحببت و لسألتك أن تخرج عنی غیر أنه یأخذنی من ذلك ذمام و لیس مردود مثلی علی مثلك عن جهل أدخل فآراه و أخذت الشیعة تختلف الیه فی دار هانی ء بن عروة و دعا ابن زیاد مولی یقال له معقل فقال له خذ ثلاثة آلاف درهم ثم أطلب مسلم بن عقیل و اطلب لنا أصحابه ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف فقال لهم استعینوا بها علی حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم فانك لو قد أعطیتها ایاهم اطمأنوا الیك و وثقوا بك و لم یكتموك شیئا من أخبارهم ثم اغد علیهم و رح ففعل ذلك فجاء حتی أتی الی مسلم بن عوسجة الأسدی من بنی سعد بن ثعلبة فی المسجد الأعظم و هو یصلی و سمع الناس یقولون ان هذا یبایع للحسین.

فجاء فجلس حتی فرغ من صلاته ثم قال یا عبدالله انی امرؤ من أهل الشأم مولی لذی الكلاع أنعم الله علی بحب أهل هذا البیت و حب من أحبهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغنی أنه قدم الكوفة یبایع لابن بنت رسول الله صلی الله علیه و سلم و كنت أرید لقاءه فلم أجد أحدا یدلنی علیه و لا یعرف مكانه فانی لجالس آنفا فی المسجد اذ سمعت نفرا من المسلمین یقولون هذا رجل


له علم بأهل هذا البیت و انی أتیتك لتقبض هذا المال و تدخلنی علی صاحبك فأبایعه و ان شئت أخذت بیعتی له قبل لقائه فقال احمد الله علی لقائك ایای فقد سرنی ذلك لتنال ما تحب و لینصر الله بك أهل بیت نبیه و لقد ساءنی معرفتك ایای بهذا الأمر من قبل أن ینمی مخافة هذا الطاغیة و سطوته فأخذ بیعته قبل أن یبرح و أخذ علیه المواثیق المغلظة لیناصحن و لیكتمن فأعطاه من ذلك ما رضی به.

ثم قال له اختلف الی أیاما فی منزلی فأنا طالب لك الاذن علی صاحبك فأخذ یختلف مع الناس فطلب له الاذن فمرض هانی ء بن عروة فجاء عبیدالله عائدا له فقال له عمارة بن عبید السلولی انما جماعتنا و كیدنا قتل هذا الطاغیة فقد أمكنك الله منه فاقتله قال هانی ء ما أحب أن یقتل فی داری فخرج.

فما مكث الا جمعة حتی مرض شریك بن الأعور و كان كریما علی ابن زیاد و علی غیره من الأمراء و كان شدید التشیع فأرسل الیه عبیدالله انی رائح الیك العشیة فقال لمسلم ان هذا الفاجر عائدی العشیة فاذا جلس فاخرج الیه فاقتله ثم اقعد فی القصر لیس أحد یحول بینك و بینه فان برئت من وجعی هذا أیامی هذه سرت الی البصرة و كفیتك أمرها.

فلما كان من العشی أقبل عبیدالله لعیادة شریك فقام مسلم بن عقیل لیدخل و قال له شریك لا یفوتنك اذا جلس فقام هانی ء بن عروة الیه فقال انی لا أحب أن یقتل فی داری كأنه استقبح ذلك فجاء عبیدالله بن زیاد فدخل فجلس فسأل شریكا عن وجعه و قال ما الذی تجد و متی أشكیت فلما طال سؤاله ایاه و رأی أن الآخر لا یخرج خشی أن یفوته فأخذ یقول ما تنظرون بسلمی أن تحیوها أسقنیها و ان كانت فیها نفسی فقال ذلك مرتین أو ثلاثا فقال عبیدالله و لا یفطن ما شأنه أترونه یهجر [38] فقال له هانی ء نعم أصلحك الله مازال هذا دیدنه قبیل عمایة الصبح [39] حتی ساعته هذه ثم انه قام فانصرف فخرج مسلم


فقال له شریك ما منعك من قتله فقال خصلتان أما احداهما فكراهة هانی ء ان یقتل فی داره و أما الأخری فحدیث حدثه الناس عن النبی صلی الله علیه و سلم ان الایمان قید الفتك و لا یفتك مؤمن [40] .

فقال هانی ء أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ولكن كرهت أن یقتل فی داری و لبث شریك بن الأعور بعد ذلك ثلاثا ثم مات فخرج ابن زیاد فصلی علیه و بلغ عبیدالله بعد ما قتل مسلما و هانئا أن ذلك الذی كنت سمعت من شریك فی مرضه انما كان یحرض مسلما و یأمره بالخروج الیك لیقتلك فقال عبیدالله و الله لا أصلی علی جنازة رجل من أهل العراق أبدا و والله لولا أن قبر زیاد فیهم لنبشت شریكا ثم أن معقلا مولی ابن زیاد الذی دسه بالمال الی ابن عقیل و أصحابه اختلف الی مسلم بن عوسجة أیاما لیدخله علی ابن عقیل فأقبل به حتی أدخله علیه بعد موت شریك بن الأعور فأخبره خبره كله فأخذ ابن عقیل بیعته و أمر أباثمامة الصائدی فقبض ماله الذی جاء به و هو الذی كان یقبض أموالهم و ما یعین به بعضهم بعضا یشتری لهم السلاح و كان به بصیرا و كان من فرسان العرب و وجوه [41] الشیعة و أقبل ذلك الرجال یختلف الیهم [42] فهو أول داخل و آخر خارج یسمع أخبارهم و یعلم أسرارهم ثم ینطلق بها حتی یقرها فی أذن ابن زیاد قال و كان هانی ء یغدو و یروح الی عبیدالله فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف و تمارض [43] فجعل لا یخرج فقال ابن زیاد لجلسائه مالی لا أری هانئا فقالوا هو شاك فقال لو علمت بمرضه لعدته.

قال أبومخنف فحدثنی المجالد بن سعید قال دعا عبیدالله محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة قال أبومخنف حدثنی لحسن بن عقبة المرادی أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبیدی.

قال أبومخنف و حدثنی نمر بن وعلة عن أبی الوداك قال كانت روعة أخت


عمرو بن الحجاج تحت هانی ء بن عروة و هی أم یحیی بن هانی ء فقال لهم ما یمنع هانی ء بن عروة من اتیاننا قالوا ما ندری أصلحك الله و انه لیتشكی قال قد بلغنی أنه قد برأ [44] و هو یجلس علی باب داره فالقوة فمروه ألا یدع ما علیه فی ذلك من الحق فانی لا أحب أن یفسد عندی مثله من أشراف العرب فأتوه حتی وقفوا علیه عشیة و هو جالس علی بابه فقالوا ما یمنعك من لقاء الأمیر فانه قد ذكرك و قد قال لو أعلم انه شاك لعدته فقال لهم الشكوی یمنعنی فقالوا له یبلغه أنك تجلس كل عشیة علی باب دارك و قد استبطأك و الابطاء و الجفاء لا یحتمله السلطان أقسمنا علیك لما ركبت معنا فدعا بثیابه فلبسها ثم دعا ببغلة فركبها حتی اذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذی كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة یا ابن أخی انی و الله لهذا الرجل لخائف فما تری.

قال أی عم و الله ما أتخوف علیك شیئا و لم تجعل علی نفسك سبیلا و انت بری ء و زعموا أن أسماءهم لم یعلم فی أی شی ء بعث الیه عبیدالله فأما محمد فقد علم به فدخل القوم علی ابن زیاد و دخل معهم فلما طلع قال عبیدالله أتتك بحائن رجلاه و قد عرس عبیدالله اذ ذاك بأم نافع ابنة عمارة بن عقبة فلما دنا من ابن زیاد و عنده شریح القاضی التفت نحوه فقال:



أرید حباءه و یرید قتلی

عذیرك من خلیلیك المراد



و قد كان له أول ما قدم مكر ما ملطفا فقال له هانی ء و ما ذاك أیها الأمیر قال ایه یا هانی ء بن عروة ما هذه الامور التی تربض [45] فی دورك لأمیرالمؤمنین و عامة المسلمین جئت بمسلم بن عقیل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال فی الدور حولك و ظننت أن ذلك یخفی علی لك قال ما فعلت و ما مسلم عندی قال بلی قد فعلت قال ما فعلت قال بلی فلما كثر ذلك بینهما و أبی هانی ء الا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زیاد معقلا ذلك العین فجاء حتی وقف بین یدیه فقال أتعرف هذا قال نعم و علم هانی ء عند ذلك أنه كان عیناه [46] علیهم و أنه قد أتاه


بأخبارهم فسقط فی خلده [47] ساعة ثم ان نفسه راجعته فقال له اسمع منی و صدق مقالتی فوالله لا أكذبك و الله الذی لا اله غیره ما دعوته الی منزلی و لا علمت بشی ء من أمره حتی رأیته جالسا علی بابی فسألنی النزول علی فاستحییت من رده و دخلنی من ذلك ذمام فأدخلته داری و ضفته و آویته و قد كان من أمره الذی بلغك فان شئت أعطیت الآن موثقا مغلظا و ما تطمئن الیه ألا أبغیك سوءا و ان شئت أعطیتك رهینة تكون فی یدك حتی آتیك و أنطلق الیه فآمره أن یخرج من داری الی حیث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره فقال لا والله لا تفارقنی أبدا حتی تأتینی به فقال لا و الله لا أجیئك به أبدا أنا أجیئك بضیفی تقتله قال و الله لتأتینی به قال و الله لا آتیك به.

فلما كثر الكلام بینهما قام مسلم بن عمرو الباهلی و لیس بالكوفة شأمی و لا بصری غیره فقال أصلح الله الأمیر خلنی و ایاه حتی أكلمه لما رأی لجاجته و تأبیه [48] علی ابن زیاد أن یدفع الیه مسلما.

فقال لهانی ء قم الی ههنا حتی أكلمك فقام فخلا به ناحیة من ابن زیاد و هما منه علی ذلك قریب حیث یراهما اذا رفعا أصواتهما سمع ما یقولان و اذا خفضا خفی علیه ما یقولان فقال له مسلم یا هانی ء انی أنشدك الله أن تقتل نفسك و تدخل البلاء علی قومك و عشیرتك فوالله انی لأنفس بك عن القتل و هو یری أن عشیرته ستحرك فی شأنه أن هذا الرجل ابن عم القوم و لیسوا قاتلیه و لا ضائریه [49] فادفعه الیه فانه لیس علیك بذلك مخزاة و لا منقصة انما تدفعه الی السلطان قال بلی والله أن علی فی ذلك للخزی و العار أنا أدفع جاری و ضیفی و أنا حی صحیح أسمع و أری شدید الساعد كثیر الأعوان و الله لو لم أكن الا واحدا لیس لی ناصر لم أدفعه حتی أموت دونه فأخذ یناشده و هو یقول و الله لا أدفعه الیه أبدا فسمع ابن زیاد ذلك فقال ادنوه منی فأدنوه منه فقال و الله لتأتینی به


أو لأضربن عنقك قال اذا تكثر البارقة حول دارك فقال والهفا علیك [50] أبا البارقة تخوفنی و هو یظن أن عشیرته سیمنعونه فقال ابن زیاد ادنوه منی فأدنی فاستعرض وجهه بالقضیب فلم یزل یضرب أنفه و جبینه و خده حتی كسر أنفه و سیل الدماء علی ثیابه و نثر لحم خدیه و جبینه علی لحیته حتی كسر القضیب و ضرب هانی ء بیده الی قائم سیف شرطی من تلك الرجال و جابذه [51] الرجل و منع فقال عبیدالله أحروری سائر الیوم أحللت بنفسك قد حل لنا قتلك خذوه فألقوه فی بیت من بیوت الدار و أغلقوا علیه بابه و اجعلوا علیه حرسا ففعل ذلك به فقام الیه أسماء ابن خارجة فقال أرسل غدر سائر الیوم أمرتنا أن نجیئك بالرجل حتی اذا جئناك به و أدخلناه علیك هشمت وجهه وسیلت دمه علی لحیته و زعمت أنك تقتله فقال له عبیدالله و انك لههنا فأمر به فلهز و تعتع به ثم ترك فحبس.

و أما محمد بن الأشعث فقال قد رضینا بما رأی الأمیر لنا كان أم علینا انما الأمیر مؤدب و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل فی مذحج حتی أحاط بالقصر و معه جمع عظیم ثم نادی أنا عمرو بن الحجاج هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة و قد بلغهم أن صاحبهم یقتل فأعظموا ذلك فقیل لعبیدالله هذه مذحج بالباب فقال لشریح القاضی ادخل علی صاحبهم فانظر الیه ثم اخرج فأعلمهم أنه حتی لم یقتل و أنك قد رأیته فدخل الیه شریح فنظر الیه.

قال أبومخنف فحدثنی الصقعب بن زهیر عن عبدالرحمن بن شریح قال سمعته یحدث اسماعیل بن طلحة قال دخلت علی هانی ء فلما رآنی قال یا الله یا للمسلمین أهلكت عشیرتی فأین أهل الدین و أین أهل المصر تفاقدوا یخلونی و عدوهم و ابن عدوهم و الدماء تسیل علی لحیته اذ سمع الرجة علی باب القصر و خرجت و ابتعنی فقال یا شریح انی لا أظنها أصوات مذحج و شیعتی من المسلمین أن دخل علی عشرة نفر انقذونی قال فخرجت الیهم و معی حمید بن بكر


الأحمری أرسله معی ابن زیاد و كان من شرطه [52] ممن یقوم علی رأسه و أیم الله لولا مكانه معی لكنت أبلغت أصحابه ما أمرنی به فلما خرجت الیهم قلت ان الأمیر لما بلغه مكانكم و مقالتكم فی صاحبكم أمرنی بالدخول الیه فأتیته فنظرت الیه فأمرنی أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حی و أن الذی بلغكم من قتله كان باطلا فقال عمرو و أصحابه فأما اذ لم یقتل و الحمدلله ثم انصرفوا.

قال أبومخنف حدثنی الحجاج بن علی عن محمد بن بشیر الهمدانی قال لما ضرب عبیدالله هانئا و حبسه خشی أن یثب الناس به فخرج فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه [53] فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد أیها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و لا تختلفوا و لا تفرقوا [54] فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تحفوا و تحرموا ان أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر قال ثم ذهب لینزل فما نزل عن المنبر حتی دخلت النظارة المسجد من قبل التمارین یشتدون و یقولون قد جاء ابن عقیل قد جاء ابن عقیل فدخل عبیدالله القصر مسرعا و أغلق أبوابه.

قال أبومخنف حدثنی یوسف بن یزید عن عبدالله بن حازم قال أنا والله رسول ابن عقیل الی القصر لأنظر الی ما صار أمر هانی ء قال فلما ضرب و حبس ركبت فرس و كنت أول أهل الدار دخل علی مسلم بن عقیل بالخبر و اذا نسوة لمراد مجتمعات ینادین یا عثرتاه یا ثكلاه فدخلت علی مسلم بن عقیل بالخبر فأمرنی أن أنادی فی أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله و قد بایعه ثمانیة عشر ألفا و فی الدور أربعة آلاف رجل فقال لی ناد یا منصور أمت فنادیت یا منصور أمت و تنادی أهل الكوفة فاجتمعوا الیه فعقد مسلم لعبیدالله بن عمرو بن عزیز الكندی علی ربع كندة و ربیعة و قال سر أمامی فی الخیل ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدی علی ربع مذحج و أسد قال انزل فی الرجال فأنت علیهم و عقد لابن ثمامة الصائد علی ربع تمیم و همدان و عقد لعباس بن جعدة الجدلی علی ربع


المدینة ثم أقبل نحو القصر فلما بلغ ابن زیاد اقباله تحرز فی القصر و غلق الأبواب.

قال أبومخنف و حدثنی یونس بن أبی اسحاق عن عباس الجدلی قال خرجنا مع ابن عقیل أربعة آلاف فلما بلغنا القصر الا و نحن ثلثمائة قال و أقبل مسلم یسیر فی الناس من مراد حتی أحاط بالقصر ثم ان الناس تداعوا الینا [55] و اجتمعوا فوالله ما لبثنا الا قلیلا حتی امتلأ المسجد من الناس و السوق و مازالوا یثوبون [56] حتی المساء بعبیدالله ذرعه و كان كبر أمره أن یتمسك بباب القصر و لیس معه الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بیته و موالیه و أقبل أشراف الناس یأتون ابن زیاد من قبل الباب الذی یلی دار الرومیین و جعل من بالقصر مع ابن زیاد یشرفون علیهم فینظرون الیهم فیتقون أن یرموهم بالحجارة و أن یشتموهم و هم لا یفترون علی عبیدالله و علی أبیه و دعا عبیدالله كثیر بن شهاب ابن الحصین الحارثی فأمره أن یخرج فیمن أطاعه من مذحج فیسیر بالكوفة و یخذل الناس عن ابن عقیل و یخوفهم الحرب و یحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن یخرج فیمن أطاعه من كندة و حضر موت فیرفع رایة أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلی و شبث بن ربعی التمیمی و حجار ابن أبجر العجلی و شمر بن ذی الجوشن العامری و حبس سائر وجوه الناس عنده استیحاشا الیهم لقلة عدد من معه من الناس و خرج كثیر بن شهاب یخذل الناس عن ابن عقیل.

قال أبومخنف فحدثنی ابن جناب الكلبی أن كثیرا ألفی رجلا من كلب یقال له عبد الأعلی بن یزید قد لبس سلاحه یرید أبن عقیل فی بنی فتیان فأخذه حتی أدخله علی ابن زیاد فأخبره خبره فقال لابن زیاد انما أردتك قال و كنت وعدتنی ذلك من نفسك فأمر به فحبس و خرج محمد بن الأشعث حتی وقف عند دورتی عمارة و جاءه عمارة بن صلخب الأزدی و هو یرید ابن عقیل علیه سلاحه فأخذه فبعث به الی ابن زیاد فحبسه فبعث ابن عقیل الی محمد بن الأشعث من


المسجد عبدالرحمن بن شریح الشبامی فلما رأی محمد بن الاشعث كثرة من أتاه أخذ یتنحی و یتأخر و أرسل القعقاع بن شور الذهلی الی محمد الأشعث قد حلت علی ابن عقیل من العرار فتأخر عن موقفه فأقبل حتی دخل علی ابن زیاد من قبل دار الرومیین فلما اجتمع عند عبیدالله كثیر بن شهاب و محمد و القعقاع فیمن أطاعهم من قومهم فقال له كثیر و كانوا مناصحین لابن زیاد أصلح الأمیر معك فی القصر ناس كثیر من أشراف الناس و من شرطك و أهل بیتك و موالیك فاخرج بنا الیهم فأبی عبیدالله و عقد لشبث بن ربعی لواء فأخرجه و أقام الناس مع ابن عقیل یكبرون و یثوبون حتی المساء و أمرهم شدید فبعث عبیدالله الی الأشراف فجمعهم الیه ثم قال أشرفوا علی الناس فمنوا أهل الطاعة الزیادة و الكرامة و خوفوا أهل المعصیة الحرمان و العقوبة و أعلموهم فصول الجنود من الشام الیهم.

قال أبومخنف حدثنی سلیمان بن أبی راشد عن عبدالله بن حازم الكبری الأزدی من بنی كبیر قال أشرف علینا الأشراف فتكلم كثیر بن شهاب أول الناس حتی كادت الشمس أن تجب [57] فقال أیها الناس الحقوا بأهالیكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فان هذه جنود أمیرالمؤمنین یزید قد أقبلت و قد أعطی الله الأمیر عهدا لئن أتممتم علی حربه و لم تنصرفوا من عشیتكم أن یحرم ذریتكم العطاء و یفرق مقاتلتكم فی مغازی أهل الشام علی غیر طمع و أن یأخذ البری ء بالسقیم و الشاهد بالغائب حتی لا یبقی له فیكم بقیة من أهل المعصیة الا أذاقها وبال ما جرت أیدیها و تكلم الأشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا یتفرقون و أخذوا ینصرفون.

قال أبومخنف فحدثنی المجالد بن سعید أن المرأة كانت تأتی ابنها او أخاها فتقول انصرف الناس یكفونك و یجی ء الرجل الی ابنه أو أخیه فیقول غدا یأتیك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فیذهب به فما زالوا یتفرقون و یتصدعون حتی أمسی ابن عقیل و ما معه ثلاثون نفسا فی المسجد حتی صلیت


المغرب فما صلی مع ابن عقیل الا ثلاثون نفسا فلما رأی أنه قد أمسی و لیس معه الا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة فلما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب و اذا لیس معه انسان و التفت فاذا هو لا یحس أحدا یدله علی الطریق و لا یدله علی منزل و لا یواسیه بنفسه ان عرض له عدو فمضی علی وجهه یتلدد فی أزقة الكوفة لا یدری أین یذهب حتی خرج الی دور بنی حبلة من كندة فمشی حتی انتهی الی باب امرأة یقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قیس فأعتقها فتزوجها أسید الحضرمی فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس أومه قائمة تنتظره فسلم علیها ابن عقیل فردت علیه فقال لها یا أمة الله اسقینی ماء فدخلت فسقته فجلس و أدخلت الاناء ثم خرجت فقالت یا عبدالله ألم تشرب قال بلی قالت فاذهب الی أهلك فسكت ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت ثم قالت له فی ء لله سبحان الله یا عبدالله فمر الی أهلك عافاك الله فانه لا یصلح لك الجلوس علی بابی و لا أحله لك فقام فقال یا أمة الله مالی فی هذا المصر منزل و لا عشیرة فهل لك الی أجر و معروف و لعلی مكافئك به بعد الیوم فقالت یا عبدالله و ما ذاك قال أنا مسلم بن عقیل كذبنی هؤلاء القوم و غرونی قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فأدخلته بیتا فی دارها غیر البیت الذی تكون فیه و فرشت له و عرضت علیه العشاء فلم یتعش و لم یكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول فی البیت و الخروج منه فقال و الله انه لیریبنی [58] كثرة دخولك هذا البیت منذ اللیلة و خروجك منه ان لك لشأنا قالت یا بنی اله عن هذا قال لها و الله لتخبرنی قالت أقبل علی شأنك و لا تسألنی عن شی ء فألح علیها فقالت یا بنی لا تحدثن أحدا من الناس بما أخبرك به و أخذت علیه الایمان فخلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت و زعموا أنه قد كان شریدا من الناس و قال بعضهم كان یشرب مع أصحاب له و لما طال علی ابن زیاد و أخذ لا یسمع لأصحاب ابن عقیل صوتا كما كان یسمعه قبل ذلك قال لأصحابه أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم یروا أحدا قال فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ففرعوا بحابح المسجد و جعلوا یخفضون شعل النار فی


أیدیهم ثم ینظرون هل فی الظلال أحد و كانت أحیانا تضی ء لهم و أحیانا لا تضی ء لهم كما یریدون فدلوا القنادیل و أنصاف الطنان تشد بالحبال ثم تجعل فیها النیران ثم تدلی حتی تنتهی الی الأرض.

ففعلوا ذلك فی أقصی الظلال و أدناها و أوسطها حتی فعلوا ذلك بالظلة التی فیها المنبر فلما لم یروا شیئا علموا ابن زیاد ففتح باب السدة التی فی المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا حوله قبیل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادی ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلی العتمة الا فی المسجد فلم یكن له الا ساعة حتی أمتلأ المسجد من الناس ثم أمر منادیه فأقام الصلاة فقال الحصین بن تمیم ان شئت صلیت بالناس أو یصلی بهم غیرك و دخلت أنت فصلیت فی القصر فانی لا آمن أن یغتالك بعض أعدائك فقال مر حرسی فلیقوموا ورائی كما كانوا یقفون و در فیهم فانی لست بداخل اذا فصلی بالناس ثم قام فحمدالله و أثنی علیه ثم قال أما بعد فان ابن عقیل السفیه الجاهل قد أتی ما قد رأیتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه فی داره و من جاء به فله دیته اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بیعتكم و لا تجعلوا علی أنفسكم سبیلا.

یا حصین ابن تمیم ثكلتك أمك ان صاح باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتنی به و قد سلطتك علی دور أهل الكوفة فابعث مراصدة علی أفواه السكك و أصبح غدا و استبر الدور و جس خلالها حتی تأتینی بهذا الرجل.

و كان الحصین علی شرطه و هو من بنی تمیم ثم نزل ابن زیاد فدخل و قد عقد لعمرو بن حریث رایة و أمره علی الناس فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا علیه و أقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا یستغش و لا یتهم ثم أقعده الی جنبه و أصبح ابن تلك العجوز و هو بلال بن أسید الذی آوت أمه ابن عقیل فغدا الی عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن


عقیل عند أمه قال فأقبل عبدالرحمن حتی أتی أباه و هو عند بن زیاد فساره [59] فقال له ابن زیاد ما قال لك قال أخبرنی أن ابن عقیل فی دار من دورنا [60] فنحس [61] بالقضیب فی جنبه ثم قال قم فاتنی به الساعة.

قال أبومخنف فحدثنی قدامة بن سعید بن زائدة بن قدامة الثقفی أن ابن الأشعث حین قام لیأتیه بابن عقیل بعث الی عمرو بن حریث و هو فی المسجد خلیفته علی الناس أن ابعث مع ابن الأشعث ستین أو سبعین رجلا كلهم من قیس و انما كره ان یبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم یكرهون أن یصادف فیهم مثل ابن عقیل فبعث معه عمرو بن عبیدالله بن عباس السلمی فی ستین أو سبعین من قیس حتی أتوا الدار التی فیها ابن عقیل فلما سمع وقع حوافر الخیل و أصوات الرجال عرف أنه قد أتی فخرج الیهم بسیفه و اقتحموا علیه الدار فشد علیهم یضربهم بسیفه حتی أخرجهم من الدار ثم عادوا الیه فشد علیهم كذلك فاختلف هو و بكیز بن حمران الأحمری ضربتین فضرب بكیر فم مسلم فقطع شفته العلیا و أشرع السیف فی السفلی و نصلت لها ثنیتاه فضربه مسلم ضربة فی رأسه منكرة وثنی بأخری علی حبل العاتق كادت تطلع علی جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا علیه [62] من فوق ظهر البیت فأخذوا یرمونه بالحجارة و یلهبون النار فی أطنان القصب ثم یقلبونها علیه من فوق البیت فلما رأی ذلك خرج علیهم مصلتا بسیفه [63] فی السكة فقاتلهم فأقبل علیه محمد بن الأشعث فقال یا فتی لك الأمان لا تقتل نفسك فأقبل یقاتلهم و هو یقول:



أقسمت لا أقتل الا حرا

و ان رأیت الموت شیئا نكرا كرا



كل أمری ء یوما ملاق شرا

و یخلط البارد سخنا مرا



رد شعاع الشمس فاستقرا

أخاف أن أكذب أو أغرا




فقال له محمد بن الأشعث انك لا تكذب و لا تخدع و لا تغر ان القوم بنو عمك و لیسوا بقاتلیك و لا ضاربیك و قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال و أنبهر [64] فأسند ظهره الی جنب تلك الدار فدنا محمد بن الأشعث فقال لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم و قال القوم أنت آمن غیر عمرو بن عبیدالله بن العباس السلمی فانه قال لا ناقة لی فی هذا و لا جمل و تنحی.

و قال ابن عقیل أما لو لم تؤمنونی ما وضعت یدی فی أیدیكم و أتی ببغلة فحمل علیها و اجتمعوا حوله و انتزعوا سیفه من عنقه فكأنه عند ذلك آیس [65] من نفسه فدمعت عیناه ثم قال هذا أول الغدر قال محمد بن الأشعث أرجو ألا [66] لا یكون علیك بأس قال ما هو الا الرجاء أین أمانكم انا لله و انا الیه راجعون و بكی فقال له عمرو بن عبیدالله بن عباس ان من یطلب مثل الذی تطلب اذا نزل به مثل الذی نزل بك لم یبك قال انی و الله ما لنفسی أبكی و لا لها من القتل أرنی و ان كنت لم أحب لها طرفة عین تلفا ولكن أبكی لأهلی المقبلین الی أبكی لحسین و آل حسین.

ثم أقبل علی محمد بن الأشعث فقال یا عبدالله انی أراك و الله ستعجز عن أمانی فهل عندك خیر تستطیع أن تبعث من عندك رجلا علی لسانی یبلغ حسینا فانی لا أراه الا قد خرج الیكم الیوم مقبلا أو هو خرج غدا هو و أهل بیته و ان ما تری من جزعی لذلك فیقول ان ابن عقیل بعثنی الیك و هو فی أیدی القوم أسیر لا یری أن تمشی حتی تقتل و هو یقول ارجع بأهل بیتك و لا یغرك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبیك الذی كان یتمنی فراقهم بالموت أو القتل ان أهل الكوفة قد كذبوك و كذبونی و لیس لمكذوب [67] رأی فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن و لأعلمن ابن زیاد أنی قد أمنتك.


قال أبومخنف فحدثنی جعفر بن حذیفة الطائی و قد عرف سعید بن شیبان الحدیث قال دعا محمد بن الأشعث ایاس بن العثل الطائی من بنی مالك بن عمرو بن ثمامة و كان شاعرا و كان لمحمد زوارا فقال له الق حسینا فأبلغه هذا الكتاب و كتب فیه الذی أمره ابن عقیل و قال له هذا زادك و جهازك و متعة لعیالك فقال من أین لی براحلة فان راحلتی قد أنضیتها [68] قال هذه راحلة فاركبها برحلها ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع لیال فأخبره الخبر و بلغه الرسالة فقال له حسین كل ما حم نازل [69] و عندالله نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا و قد كان مسلم ابن عقیل حیث تحول الی دار هانی ء بن عروة و بایعه ثمانیة عشر ألفا قدم كتابا الی حسین مع عابس بن أبی شیبب الشاكری. أما بعد فان الرائد لا یكذب أهله و قد بایعنی من أهل الكوفة ثمانیة عشر ألفا فعجل الاقبال حین یأتیك كتابی فان الناس كلهم معك لیس لهم فی آل معاویة رأی و لا هوی و السلام و أقبل محمد بن الأشعث بابن عقیل الی باب القصر فاستأذن فأذن له فأخبر عبیدالله خبر ابن عقیل و ضرب بكیر ایاه فقال بعدا له فأخبره محمد بن الأشعث بما كان منه و ما كان من أمانه ایاه فقال عبیدالله ما أنت و الأمان كأنا أرسلناك تؤمنه انما أرسلناك تأتینا به فسكت و انتهی ابن عقیل الی باب القصر و هو عطشان و علی باب القصر ناس جلوس ینتظرون الاذن منهم عمارة بن عقبة بن أبی معیط و عمرو بن حریث و مسلم بن عمرو و كثیر بن شهاب.

قال أبومخنف فحدثنی قدامة بن سعد أن مسلم بن عقیل حین انتهی الی باب القصر فاذا قلة باردة موضوعة علی الباب فقال ابن عقیل اسقونی من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتی تذوق الحمیم فی نار جهنم قال له ابن عقیل ویحك من أنت قال أنا ابن من عرف الحق اذا أنكرته و نصح لامامه اذ غششته و سمع و أطاع اذ عصیته و خالفت أنا مسلم بن عمرو الباهلی فقال ابن عقیل لأمك الثكل ما أجفاك و ما أفظك


و أقسی قلبك و أغلظك أنت یا ابن باهلة أولی بالحمیم و الخلود فی نار جهنم منی ثم جلس متساندا الی حائط قال أبومخنف فحدثنی قدامة بن سعد أن عمرو بن حریث بعث غلا ماله یدعی سلیمان فجاءه بماء فی قلة فسقاه.

قال أبومخنف و حدثنی سعید بن مدرك بن عمارة أن عمارة بن عقبة بعث غلاماله یدعی قیسا فجاءه بقلة علیها مندیل و معه قدح فصب فیه ماء ثم سقاه فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما فلما ملأ القدح المرة الثالثة ذهب لیشرب فسقطت ثنیتاه فیه فقال الحمدلله لو كان لی من الرزق المقسوم شربته و أدخل مسلم علی ابن زیاد فلم یسلم علیه بالامرة فقال له الحرسی ألا تسلم علی الأمیر فقال له ان كان یرید قتلی فما سلامی علیه و ان كان لا یرید قتلی فلعمری لیكثرن سلامی علیه فقال له ابن زیاد لعمری لتقتلن قال كذلك قال نعم قال فدعنی أوص الی بعض قومی فنظر الی جلساء عبیدالله و فیهم عمر بن سعد فقال یا عمر ان بینی و بینك قرابة ولی الیك حاجة و قد یجب لی علیك نجح حاجتی و هو سر فأبی أن یمكنه من ذكرها فقال له عبیدالله لا تمتنع أن تنظر فی حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حیث ینظر الیه ابن زیاد فقال له ان علی بالكوفة دینا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنی و انظر جثتی فاستوهبها من ابن زیاد فوارها و ابعث الی حسین من یرده فانی قد كتبت الیه أعلمه أن الناس معه و لا أراه الا مقبلا فقال عمر لابن زیاد أتدری ما قال لی انه ذكر كذا و كذا قال له ابن زیاد انه لا یخونك الأمین ولكن قد یؤتمن الخائن أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع فیه ما أحببت و أما حسین فانه ان لم یردنا لم نرده و ان أرادنا لم [70] نكف عنه و أما جثته فانا لن نشفعك فیها انه لیس بأهل منا لذلك قد جاهدنا و خالفنا و جهد علی هلاكنا و زعموا أنه قال أما جثته فانا لا نبالی اذا قتلناه ما صنع بها ثم ان ابن زیاد قال ایه یا ابن عقیل أتیت الناس و أمرهم جمیع و كلمتهم واحدة لتشتتهم و تفرق كلمتهم و تحمل بعضهم علی بعض قال كلا لست أتیت ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خیارهم و سفك دماءهم و عمل فیهم أعمال كسری و قیصر فأتیناهم لنأمر بالعدل و ندعو الی حكم الكتاب قال


و ما أنت و ذاك یا فاسق أو لم نكن نعمل بذاك فیهم اذ أنت بالمدینة تشرب الخمر قال أنا أشرب الخمر و الله ان الله لیعلم انك غیر صادق و انك قلت بغیر علم و انی لست كما ذكرت و ان أحق بشرب الخمر منی و أولی بها من یلغ فی دماء [71] المسلمین ولغا فیقتل النفس التی حرم الله قتلها و یقتل النفس بغیر النفس و یسفك الدم الحرام و یقتل علی الغضب و العداوة و سوء الظن و هو یلهو و یلعب كأن لم یصنع شیئا فقال له ابن زیاد یا فاسق ان نفسك تمنیك ما حال الله دونه [72] و لم یرك أهله قال فمن أهله یا ابن زیاد قال أمیرالمؤمنین یزید فقال الحمدلله علی كل حال رضینا بالله حكما بیننا و بینكم قال كأنك تظن أن لكم فی الأمر شیئا قال و الله ما هو بالظن ولكنه الیقین قال قتلنی الله ان لم أقتلك قتلة لم یقتلها أحد فی الاسلام قال أما انك أحق من أحدث [73] فی الاسلام ما لم یكن فیه أما انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السیرة و لؤم الغلبة و لا أحد من الناس أحق بها منك.

و أقبل ابن سمیة یشتمه و یشتم حسینا و علیا و عقیلا و أخذ مسلم لا یكلمه و زعم أهل العلم أن عبیدالله أمر له بماء فسقی بخزفة ثم قال له انه لم یمنعنا أن نسقیك فیها الا كراهة أن تحرم بالشرب فیها ثم نقتلك و لذلك سقیناك فی هذا ثم قال اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوا جسده رأسه فقال یا ابن الأشعث أما و الله لولا أنك آمنتنی ما استسلمت قم بسیفك دونی فقد أخفرت ذمتك ثم قال یا ابن زیاد أما و الله لو كانت بینی و بینك قرابة ما قتلتنی ثم قال ابن زیاد أین هذا الذی ضرب ابن عقیل رأسه بالسیف و عاتقه فدعی فقال اصعد فكن أنت الذی تضرب عنقه فصعد به و هو یكبر و یستغفر و یصلی علی ملائكة الله و رسله و هو یقول اللهم احكم بیننا و بین قوم غرونا و كذبونا و أذلونا و اشرف به علی موضع الجزارین الیوم فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه.


قال أبومخنف حدثنی الصقعب بن زهیر عن عوف بن أبی جحیفة قال نزل الأحمری بكیر بن حمران الذی قتل مسلما فقال له ابن زیاد قتلته قال نعم قال فما كان یقول و أنتم تصعدون به قال كان یكبر و یسبح و یستغفر فلما أدنیته لأقتله قال اللهم احكم بیننا و بین قوم كذبونا و غرونا و خذلونا و قتلونا فقلت له أدن منی الحمدلله الذی أقادنی [74] منك فضربته ضربة لم تغن شیئا فقال أما تری فی خدش تخدشنیه وفاء من دمك أیها العبد فقال ابن زیاد و فخرا عند الموت قال ثم ضربته الثانیة فقتلته.

قال و قام محمد بن الأشعث الی عبیدالله بن زیاد فكلمه فی هانی ء بن عروة و قال انك قد عرفت منزلة هانی ء بن عروة فی المصر و بیته فی العشیرة و قد علم قومه أنی و صاحبی سقناه الیك فأنشدك الله لما وهبته لی فانی أكره عداوة قومه هم أعز أهل المصر و عدد أهل الیمن. قال فوعده أنی یفعل فلما كان من أمر مسلم ابن عقیل ما كان بدالة فیه و أبی أن یفی له بما قال قال فأمر بهانی ء بن عروة حین قتل مسلم بن عقیل فقال أخرجوه الی السوق فاضربوا عنقه قال فأخرج بهانی ء حتی انتهی الی مكان من السوق كان یباع فیه الغنم و هو مكتوف فجعل یقول و امذ حجاه و لا مذحج لی الیوم و امذ حجاه و أین منی مذحج فلما رأی ان أحدا لا ینصره جذب یده فنزعها من الكتاف ثم قال أما من عصا أو سكین أو حجر أو عظم یجاحش [75] به رجل عن نفسه. قال و وثبوا الیه فشدوه وثاقا ثم قیل له أمدد عنقك فقال ما أنا بها مجد سخی و ما أنا بمعینكم علی نفسی.

قال فضربه مولی لعبیدالله بن زیاد تركی یقال له رشید بالسیف فلم یصنع سیفه شیئا فقال هانی ء الی الله المعاد اللهم الی رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخری فقتله.

قال فبصر به عبدالرحمن بن الحصین المرادی بخازر و هو مع عبیدالله بن زیاد فقال الناس هذا قاتل هانی ء بن عروة فقال ابن الحصین قتلنی الله ان لم أقتله


أو أقتل دونه فحمل علیه بالرمح فطعنه فقتله ثم ان عبیدالله بن زیاد لما قتل مسلم ابن عقیل و هانی ء بن عروة دعا بعبد الأعلی الكلبی الذی كان أخذه كثیر بن شهاب فی بنی فتیان فأتی به فقال له أخبرنی بأمرك قال أصلحك الله خرجت لأنظر ما یصنع الناس فأخذنی كثیر بن شهاب فقال له فعلیك و علیك من الأیمان المغلظة ان كان أخرجك الا ما زعمت فأبی أن یحلف فقال عبیدالله انطلقوا بهذا الی جبانة السبع فاضربوا عنقه بها قال فانطلق به فضربت عنقه قال و أخرج عمارة ابن صلخب الأزدی و كان ممن یرید أن یأتی مسلم بن عقیل بالنصرة لینصره فأتی به أیضا عبیدالله فقال له ممن أنت قال من الأزد قال انطلقوا به الی قومه فضربت عنقه فیهم فقال عبدالله بن الزبیر الأسدی فی قتلة مسلم بن عقیل و هانی ء بن عروة المرادی و یقال قاله الفرزدق:



ان كنت لا تدرین ما الموت فانظری

الی هانی ء فی السوق و ابن عقیل



الی بطل قد هشم السیف وجهه

و آخر یهوی من طمار [76] قتیل



أصابهما أمر الأمیر فأصبحا

أحادیث من یسری بكل سبیل



تری جسدا قد غیر الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسیل



فتی هو أحیی [77] من فتاة حییة

و أقطع من ذی شفرتین [78] صقیل



أیركب أسماء الهمالیج [79] آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



تطیف حوالیه مراد و كلهم

علی رقبة من سائل و مسول



فان أنتم لم تثأروا بأخیكم

فكونوا بغایا أرضیت بقلیل



قال أبومخنف عن أبی جناب یحیی بن أبی حیة الكلبی قال ثم ان عبیدالله ابن زیاد لما قتل مسلما و هانئا بعث برؤوسهما مع هانی ء بن أبی حیة الوادعی و الزبیر ابن الأروح التمیمی الی یزید بن معاویة و أمر كاتبه عمرو بن نافع أن یكتب


الی یزید بن معاویة بما كان من مسلم و هانی ء فكتب الیه كتابا أطال فیه و كان أول من أطال فی الكتب فلما نظر فیه عبیدالله بن زیاد كرهه و قال ما هذا التطویل و هذه الفضول اكتب أما بعد فالحمدلله الذی أخذ لأمیرالمؤمنین بحقه و كفاه مؤنة عدوه أخبر أمیرالمؤمنین أكرمه الله أن مسلم بن عقیل لجأ الی دار هانی ء بن عروة المرادی و انی جعلت علیهما العیون و دسست الیهما الرجال و كدتهما حتی استخرجتهما و أمكن الله منهما فقدمتهما فضربت أعناقهما و قد بعثت الیك برؤوسهما مع هانی ء بن أبی حیة الهمذانی و الزبیر بن الأروح التمیمی و هما من أهل السمع و الطاعة و النصیحة فلیسألهما أمیرالمؤمنین عما أحب من أمر فان عندهما علما و صدقا و فهما و ورعا و السلام فكتب الیه یزید أما بعد فانك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش [80] فقد أغنیت و كفیت و صدقت ظنی بك و رأیی فیك و قد دعوت رسولیك فسألتهما و ناجیتهما فوجدتهما فی رأیهما و فضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خیرا و انه قد بلغنی أن الحسین بن علی قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح و احترس علی الظن و خذ علی التهمة غیر ألا تقتل الا من قاتلك و اكتب الی فی كل ما یحدث من الخبر و السلام علیك و رحمة الله.

قال أبومخنف حدثنی الصقعب بن زهیر عن عون بن أبی جحیفة قال كان مخرج مسلم بن عقیل بالكوفة یوم الثلاثاء لثمان لیال مضین من ذی الحجة سنة [81] 60 و یقال یوم الأربعاء لسبع مضین سنة 60 من یوم عرفة بعد مخرج الحسین من مكة مقبلا الی الكوفة بیوم قال و كان مخرج الحسین من المدینة الی مكة یوم الأحد للیلتین بقیتا من رجب سنة 60 و دخل مكة لیلة الجمعة لثلاث مضین من شعبان فأقام بمكة شعبان و شهر رمضان و شوال و ذاالقعدة ثم خرج منها لثمان مضین من ذی الحجة یوم الثلاثاء یوم الترویة فی الیوم الذی خرج فیه مسلم بن عقیل.


و ذكرها هارون بن مسلم عن علی بن صالح عن عیسی بن یزید أن المختار بن أبی عبید و عبدالله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم خرج المختار برایة خضراء و خرج عبدالله برایة حمراء و علیه ثیاب حمر و جاء المختار برایته فركزها علی باب عمرو بن حریث و قال انما خرجت لأمنع عمرا و أن الأشعث و القعقاع بن شور و شبث بن ربعی قاتلوا مسلما و أصحابه عشیة سار مسلم الی قصر ابن زیاد قتالا شدیدا و أن شیئا جعل یقول انتظروا بهم اللیل یتفرقوا فقال له القعقاع انك قد سددت علی الناس وجه مصیرهم فافرج لهم ینسربوا و أن عبیدالله أمر أن یطلب المختار و عبدالله بن الحارث و جعل فیهما جعلا فأتی بهما فحبسا.

و فی هذه السنة [82] كان خروج الحسین علیه السلام من مكة متوجها الی الكوفة.



[1] الجلبة: الصخب و الضجيج.

[2] العين: الجاسوس.

[3] وجوه أهل الكوفة: وجهاؤها من الأعيان.

[4] الريبة: الشك و التهمة.

[5] أحيط بالدار: أحصرت و احتوشوها.

[6] الهماليج: يقال فرس هملاج و هو يهمج براكبه و خيل هماليج. راجع أساس البلاغة للزمخرشي ص 1066 ط. الشعب.

[7] تنكب الطريق: تجنبه و اعتزله.

[8] راجع ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان (145 - 144: 5).

[9] يختلفون اليه: يذهبون اليه.

[10] أرجف القوم: زلزلوا و اضطربوا، و الارجاف واحد أراجيف الأخبار، و قد أرجفوا في الشي ء أي خاضوا فيه.

راجع مختار الصحاح ص 235.

[11] و كان سليمان بن صرد من شيعة علي رضي الله عنه.

[12] الوهل: الفزع.

[13] يقال انتزي و هو يتنزي الي الشر أي يتسرع اليه.

[14] فيأها: أشياؤها، و يقال فلان لا يقرب من أفيائه.

[15] دولة: أي جعله كرة و كرة و المقصود أنه جعل المال يروح و يغدو بين أيدي هذه الطوائف التي ذكرها المفهوم أن المستحقين له كانوا محرومين منه و هذا هو الحيف و الضيم.

[16] النجاء: من نجا ينجو نجاء بالمد و نجاة بالقصر. المختار ص 648.

[17] حيهلا: اسم فعل بمعني أقبل أو اقبلوا.

[18] طمت الجمام: استوت.

[19] كذا ورد بالأصل و الأصح (مجندة).

[20] الحجي: العقل و الفهم.

[21] الجدد: جمع مفرده جادة و هي الطريق.

[22] يقال «ما بقي منه الا حشاشة، و ما بقي من الشمس الا حشاشة نازع».

أساس البلاغة ص 176.

[23] كذا ورد بالأصل و الأصح (فقام فقال).

[24] اختلفت الشيعة اليه: ذهبوا اليه.

[25] القرف: مخالطة الخطيئة.

[26] نكث البيعة: نقضها و رجع فيها.

[27] يقصد ضعيف الشخصية أو هو يتضعف أي أنه قوي لكنه ليس بحازم يمكن التعويل عليه في البطش و التنكيل.

[28] تثقيفه: تدركه، و يوثقه: يربطه و يكبله بالقيود.

[29] الأخماس: جمع مفرده خميس و هو الجيش، و سمي الجيش بالخميس لأنه خمس فرق: المقدمة و القلب و الميمنة و الميسرة و الساق.

[30] لاصطفائه و اختصاصه بها.

[31] كذا بالأصل و الأصح (و أوصياءه) و هو تصحيف.

[32] الارجاف: الاضطراب و الجمع أراجيف، و الأراجيف هي الأخبار، و قد أرجفوا في الشي ء اذا خاضوا فيه.

[33] اعتجر: لف العمامة علي رأسه.

[34] أرب: هدف أو أمنية.

[35] الهيعة: يقول صاحب مختار الصحاح: المهيعة بوزن المشرعة، الجحفة و هي ميقات أهل الشام، و المهيع هو الطريق الواسع البين. و هنا بمعني الارتجاج.

[36] المذحجيون: قوم مذحج.

راجع هذه القصة في الامامة و السياسة لابن قتيبة (4: 2) ط. دار المعرفة بيروت.

[37] شططا: أي بعيدا و غلوا و مجاوزة للحد.

[38] يهجر: أي يلفظ بكلمات غير مفهومة.

[39] عماية الصبح: أوله.

[40] و السنة تنهي عن ترويع المؤمن و ازهاق روحه، الا بحقها.

[41] وجوه الشيعة: وجهاؤها.

[42] يختلف اليهم: يتردد عليهم.

[43] تمارض: تظاهر بالمرض و ادعاه من غير علة.

[44] برأ: شفي.

[45] تربص: أي تتربص و قد حذفت احدي التاءين للتخفيف.

[46] عينا: جاسوسا.

[47] سقط في خلده: خطر علي باله فالخلد بفتحتين البال، و يقال وقع ذلك في خلدي أي في قلبي.

[48] تأبيه علي ابن زياد: ترفعه عليه.

[49] ضائروه: أي ظالموه أو محدثو سوء به.

[50] والهفا عليك: يا حسرة عليك.

[51] يقال جابذه بألف المفاعلة أي جاذبه.

[52] شرطه: رجال شرطته.

[53] حشمه: خدمه.

[54] لا تفرقوا: أصلها لا تفرقوا و حذفت احدي التاءين للتخفيف.

[55] تداعوا الينا: أقبلوا علينا.

[56] يثوبون: يرجعون.

[57] تجب الشمس: تختفي.

[58] يريبني: يشككني.

[59] ساره: تحدث اليه سرا.

[60] دورنا وردت في الأصل دونا و ما أوردناه أصح.

[61] نخس بالقضيب في جنبه: وكزه به.

[62] أشرفوا عليه: اطلعوا عليه من فوق.

[63] مصلتا بسيفه: مشهرا أياه.

[64] انبهر: يقال بهره غلبه و بابه قطع، و البهر بالضم تتابع النفس و بالفتح المصدر، و انبهر أي تتابع نفسه.

راجع المختار (ص 67). بتصرف.

[65] آيس: يائس.

[66] لا زائدة.

[67] ليس لمكذوب رأي لأنه كما قال صلي الله عليه و سلم: «ان الرائد لا يكذب أهله.»

[68] أنضيتها: أهزلتها، و يقال النضو: البعير المهزول، و الناقة نضوة و قد أنضتها الأسفار فهي منضاة، و أنضي بعيره هزله، و يقال نضا ثوبه خلعه.

[69] كل ما حم نازل: أي كل مقدور لا فرار منه و لا محيص عنه.

[70] أي لو غزانا.

[71] يقال ولغ الكلب في الاناء يلغ و لوغا أي شرب ما فيه بأطراف لسانه، و يقال ولغ بشرابنا و في شرابنا و من شرابنا.

[72] ما حال الله دونه: ما لم يرد تحقيقه.

[73] أحدث في الاسلام: ابتدع فيه ما ليس منه.

[74] أقادني منك: أي اقتص لي منك و القود هو القصاص.

[75] يجاحش به: و يقال للرجل اذا كان مستبدا برأيه، و يسمي جحيش وحده و هو ذم.

[76] طمار: أثواب و مفرده طمر بالكسر الثوب الخلق. الجمع أطمار و الواحد الطومار، و قد يجمع علي طوامير.

[77] أحي: أكثر حياء.

[78] أقطع من ذي شفرتين: أشد قطعا من السيف.

[79] سبق شرحها.

[80] رابط الجأش: قوي القلب.

[81] راجع العقد الفريد لابن عبد ربه (378: 4).

[82] أي سنة 60 ه.